شرح لمعة الاعتقاد
إثبات الاستواء على العرش واختلاف الفرق فيه
ثم رجع إلى الآيات فذكر قول الله تعالى: رسم> الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى قرآن> رسم> هذه الآية من سورة طه أثبت الله تعالى الاستواء وأنه على العرش وجاء مثل هذه الآيات في سورة الأعراف: رسم> إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ قرآن> رسم> وفي سورة يونس: رسم> إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ قرآن> رسم> وكذلك في سورة الرعد وفي سورة الفرقان وفي سورة السجدة وفي سورة الحديد وردت في سبعة مواضع من القرآن إثبات صفة الاستواء على العرش ولذلك؛ لما ذكر ابن القيم اسم> رحمه الله في النونية أدلة العلو جعلها أحدا وعشرين نوعا وبدأ بآيات الاستواء وذكر أنها سبعة:
................................... | سـبع أتـت فـي محـكم القرآن |
وكـذلك اضطــردت بــلا لام ولو | كـانـت بمعنـى اللام في القرآن |
لأتت بهـا في موضع كي يحمـل الـ | بـاقـي عليهـا وهــو ذو إمكان |
في عقيدته:
قالوا فتزعم أن على العرش استوى | قلـت الصـواب كذاك أخبر سيدي |
قالوا فمـا معـنى استوائـه قل لنا | فأجبتهـم هـذا ســؤال المعتدي |
ولهـم عبــارات عليهــا أربع | قــد حـررت للفــارس الطعان |
وهـي استقر وقد علا وكذلك ار | ـتفع الذي مـا فيـه مـن نكران |
وكذاك قـد صعـد الذي هو رابع | وأبو عبيدة صـاحـب الشيبــان اسم> |
يختـار هـذا القـول في تفسيره | أدرى مــن الجهمي بالقــرآن |
والأشعري يقـول تفسـير استـوى | بحقيقــة اسـتولى مـن البهتان |
قـد استوى بشر اسم> علـى العراق اسم> | مـن غـير سيف أو دم مهراق |
قبح لمـن نبذ الكتـاب وراءه | وإذا استــدل يقـول قال الأخطل اسم> |
وكـذلك اضطـردت بـلا لام ولو | كـانت بمعنـى اللام في القرآن |
لأتت بها في موضع كي يحمل الـ | باقي عليهـا وهـو ذو إمكـان |
نـون اليهـود ولام جهمي همـا | فـي وحـي رب العـرش زائدتان |
ولما ذكر استوى قال: إنهم يقولون بمعنى: استولى قال: لو كان كما يقولون؛ لم يكن للعرش اختصاصا فإن الله مستول على جميع المخلوقات؛ فهو مستول على السماوات, وعلى الأرض, وعلى المخلوقات كلها وعلى الحيوانات, وعلى الحشوش, وعلى الأماكن المخلوقة كلها.
ولا يجوز أن تقول: إن الله استوى على الجبال, إن الله استوى على الأرض, إن الله استوى على الأشجار؛ لو كان استوى بمعنى استولى؛ لجاز ذلك, فلما لم يجز, وخص الله تعالى الاستواء بالعرش؛ دل على أنه استواء خاص, يليق به, وأنه كما فسره أهل السنة.
جاء بعضهم بتأويل آخر فقالوا العرش: هو الملك؛ وأنكروا أن يكون لله تعالى عرش مخلوق, قالوا رسم> اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ قرآن> رسم> استوى على الملك؛ على ملك المخلوقات, أنكروا أن يكون هناك عرش مخلوق.
والأدلة على وجود العرش كثيرة ذكرها الله تعالى في القرآن وفي السنة مثل قوله تعالى: رسم> رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ قرآن> رسم> .
العرش في اللغة: هو السرير العظيم الذي يجلس عليه الملوك، قال الله تعالى عن الهدهد: رسم> وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ قرآن> رسم> ثم قال سليمان اسم> رسم> أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قرآن> رسم> ثم قال: رسم> نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا قرآن> رسم> رسم> فَلَمَّا جَاءَتْ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ قرآن> رسم> يعني سرير عظيم كانت تجلس عليه وكذلك يوسف اسم> قال تعالى: رسم> وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ قرآن> رسم> أي: على ذلك السرير الذي كان يجلس عليه, فالله تعالى خلق عرشا عظيما؛ جعله من أكبر وأقدم مخلوقاته, وقد اختلف؛ هل العرش أول المخلوقات, أو القلم؟
ورد في حديث: رسم> أول ما خلق الله القلم قال له اكتب متن_ح> رسم> والصحيح أن العرش قبله يقول ابن القيم اسم> في النونية:
والناس مخـتلفون فـي القلم الذي | كتب القضـاء بـه مـن الرحمن |
هـل كـان قبل العرش أو هو بعده | قـولان عنـد أبي العلا الهمداني اسم> |
والحـق أن العرش قبـل لأنــه | وقـت الكتابـة كـان ذا أركان |
من الآيات الدالة أيضا على العلو آيات السماء كقوله تعالى: رسم> أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ قرآن> رسم> في سورة الملك مرتين وجاءت في الأحاديث كثيرة قال النبي صلى الله عليه وسلم: رسم> ربنا الله الذي في السماء تقدس اسمك متن_ح> رسم> أثبت أن الله في السماء رسم> وقال للجارية أين الله؟ قالت في السماء, قال: من أنا قالت: أنت رسول الله, قال: أعتقها فإنها مؤمنة متن_ح> رسم> هذا الحديث رواه مالك في موطئه, ورواه مسلم في صحيحه حديث> وغيرهما من الأئمة.
قصة رجل كانت له أمة مملوكة ولزمه عتق رقبة مؤمنة قال: هل أعتقها قال: ائتني بها فاختبرها النبي صلى الله عليه وسلم هل هي مؤمنة أم لا فبدأ بسؤالها: رسم> أين الله قالت: في السماء, -على الفطرة؛ جارية مملوكة لا تعلم شيئا, ولكن فطرت على هذه المعرفة- قال: من أنا؟ قالت: أنت رسول الله, قال: أعتقها؛ فإنها مؤمنة متن_ح> رسم> ؛ دليل صريح أقرها النبي صلى الله عليه وسلم وشهد لها بالإيمان, ومثل ذلك أيضا الحديث الذي فيه: رسم> أنه صلى الله عليه وسلم قال: ألا تأمنوني وأنا أمين من في السماء يأتيني خبر السماء صباحا ومساء متن_ح> رسم> أمين الله الذي في السماء.
وقال صلى الله عليه وسلم: رسم> ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء متن_ح> رسم> يعني يرحمكم الله أدلة واضحة في إثبات أن الله تعالى في السماء كذلك هذا الحديث عن حصين اسم> وحصين اسم> والد عمران بن حصين اسم> رسم> جاء به ابنه إلى النبي صلى الله عليه وسلم وكان شيخا كبيرا فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: كم إلها تعبد؟ كم لك من الآلهة تعبدها فقال: سبعة؛ ستة في الأرض وواحد في السماء متن_ح> رسم> يعني: أنه يعبد ستة أصنام في الأرض وأنه مع ذلك يعبد الله؛ وذلك لأنه يعتقد أن هذه الستة أنها تقربه إلى الله كما في قولهم: رسم> مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى قرآن> رسم> اعترف بأن واحدا في السماء, أقره النبي صلى الله عليه وسلم على أن الله في السماء.
في رواية أنه قال له: رسم> من لرغبتك ورهبتك؟ متن_ح> رسم> من الذي تدعوه إذا كنت راغبا وراهبا أي خائفا أوراجيا فقال رسم> الذي في السماء متن_ح> رسم> هو الذي أرجوه عند الرهبة أي عند الخوف وعند الرغبة أي الرجا فقال له: رسم> اترك الستة التي في الأرض واعبد الذي في السماء رسم> يعني اشهد أنه هو الإله واشهد أنه هو الرب, وأنا أعلمك لدعوته؛ أسلم بعد ذلك؛ علمه النبي صلى الله عليه وسلم قوله: رسم> اللهم ألهمني رشدي, وقني شر نفسي متن_ح> رسم> ؛ دعوتين مفيدتين, اللهم ألهمني رشدي, وقني شر نفسي, أقره على قوله: أن الذي يدعوه لرغبته ورهبته الذي في السماء.
كذلك ذكر أنه نقل من علامات النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في الكتب المتقدمة أنهم يسجدون بالأرض يزعمون: أن إلههم في السماء يعني يسجدون في الأرض؟ على الأرض, وإلههم الذي يعبدونه في السماء؛ أي فوقهم.
وروى أبو داود اسم> في سننه حديثا يسمى حديث الأوعال وفيه : رسم> أن ما بين كل سماء إلى سماء مسيرة كذا وكذا -مسيرة خمسمائة سنة في بعض الروايات- ثم قال: وفوق ذلك ثمانية أوعال ما بين أظلافهن وركبهن كما بين سماء إلى سماء, والعرش فوق ذلك, والله تعالى فوق العرش متن_ح> رسم> هذا حديث مشهور بحديث الأوعال أثبت فيه الفوقية, والله فوق العرش, هذا الحديث مروي في السنن مرفوع رواه ابن خزيمة حديث> في صحيحه في كتاب التوحيد له الكتاب المطبوع قد اشترط أنه لا يذكر فيه إلا الأحاديث الثابتة التي ليس في أسانيدها سقط وليس فيها انقطاع؛ فهو حديث معتمد فيه إثبات الفوقية؛ أن الله فوق العرش.
وردت الفوقية أيضا في القرآن في مواضع منها ما يحتمل التأويل ومنها ما لا يحتمل التأويل فمن ذلك قول الله تعالى: رسم> وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ قرآن> رسم> أثبت الفوقية هاهنا وقد يقال إن الفوقية هاهنا فوقية القهر كقول فرعون اسم> رسم> وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُون قرآن> رسم> ولكن وردت الفوقية في سورة النحل في قول الله تعالى في قوله: رسم> يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ قرآن> رسم> فهذه صريحة لا تحتمل التأويل في إثبات أن الله تعالى فوق عباده كما يشاء ثم نعرف بذلك أن الآيات التي فيها إثبات أن الله في السماء صريحة في إثبات الفوقية.
وقد فسرها العلماء بتفسيرين الأول أن في السماء يعني في العلو فإن كل شيء سما يعني ارتفع فإنه يسمى سماء؛ كل ما ارتفع فإنه سماء هكذا كل شيء مرتفع ويسمى السقف سما قال تعالى: رسم> فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاء قرآن> رسم> يعني إلى السقف وقال تعالى: رسم> وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا قرآن> رسم> من السماء يعني من السحاب لأنه سامي يعني مرتفع سما يعني ارتفع فيكون قوله: رسم> أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ قرآن> رسم> أي أأمنتم من في العلو من هو عال فوق عباده.
والقول الثاني: أن في بمعنى: على؛ رسم> أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاء قرآن> رسم> أي: من على السماء, وليست للظرفية؛ في السماء يعني: في جوف السماء؛ بل في تأتي بمعنى على كما قال تعالى: رسم> فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ قرآن> رسم> أي :على الأرض، وقال عن فرعون اسم> رسم> وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ قرآن> رسم> أي على جذوع النخل ليس في جوفها فعرف بذلك أن هذه الآيات دالة على إثبات هذه الصفة لله تعالى.
ثم ذكر يقول: هذا وما أشبهه مما أجمع السلف رحمهم الله على نقله يعني هذه النصوص وعلى تقبله, ولم يتعرضوا لرده, ولا لتأويله؛ ما ردوا شيئا من ذلك, ولا تأولوه أي: حرفوه ولا شبهوه ولا مثلوه؛ بل قبلوا ذلك, واعتقدوا ما دل عليه.
ذكر بعد ذلك أن الإمام مالك بن أنس اسم> رحمه الله سئل عن آية الاستواء؛ دخل عليه رجل فقال: يا أبا عبد الله اسم> أرأيت قول الله تعالى: رسم> الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى قرآن> رسم> كيف استوى؟ فأطرق مالك اسم> رحمه الله حتى علاه الرحبة يعني: العرق؛ ثم رفع رأسه؛ فقال: الاستواء غير مجهول, والكيف غير معقول, والإيمان به واجب, والسؤال عنه بدعة, ولا أراك إلا مبتدعا, ثم أمر به فأخرج وطرده؛ وذلك لأنه تكلف في هذا السؤال.
وهذا الجواب مروي أيضا عن شيخه ربيعة بن أبي عبد الرحمن اسم> من مشاهير علماء المدينة اسم> أنه سئل فقال: الاستواء معلوم والكيف مجهول والإيمان به واجب, ومن الله الرسالة, وعلى الرسول البلاغ, وعلينا التسليم, وروي أيضا عن أم سلمة اسم> أم المؤمنين رضي الله عنها نحو هذا وروي أيضا عنها مرفوعا والصحيح أنه لا يصح مرفوعا أنه روي عن أم سلمة اسم> من قولها وروي عن مالك اسم> وروي عن شيخه ربيعة اسم> وهذا هو قول أهل السنة: أن الاستواء معلوم غير مجهول يعرفه العرب بلغتهم ويفهمونه ويفسرونه ويترجمونه من لغة إلى أخرى كما فسروه باستقر واستوى يعني ارتفع, وعلا, وصعد, فهو لفظة معلومة دلالتها ظاهرة.
ذكر بعض العلماء أن كلمة استوى إذا كانت لازمة غير مقرونة بحرف فإن معناها التمام؛ قال تعالى: رسم> وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى قرآن> رسم> يعني: كمل وتم أي شبابه وقوته؛ فهاهنا استوى بمعنى كمل وتأتي بمعنى إلى كقوله تعالى: رسم> ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ قرآن> رسم> فهي هاهنا بمعنى قصد إلى السماء أي لخلقها وتأتي استوى بمعنى: علا وارتفع؛ دليل ذلك قوله تعالى: رسم> وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ قرآن> رسم> يعني استوت السفينة على الجودي يعني على الجبل استوت بمعنى استقرت مرتفعة على الجودي.
وقوله تعالى: رسم> لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ قرآن> رسم> أي لتركبوا على ظهورها أي ترتفعوا على ظهورها؛ فالاستواء بمعنى العلو, وقوله تعالى: رسم> فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ قرآن> رسم> يعني ارتفع السنبل على سوقه على قصبه فالاستواء على سوقه بمعنى مرتفع عليها, ومنه قولهم: استوى على الجبل؛ يعني ارتفع عليه؛ فهذا معنى قول مالك اسم> الاستواء غير مجهول: أي أنه معروف عند العرب وأنه يفسر, ولا خلاف فيه, ولا حاجة إلى التكلف فيه؛ فهو كلام واضح؛ يفسر، ويترجم، ويعرفه الصغير والكبير؛ الذي عرف هذه اللغة, والكيف غير مجهول: الكيفية الاستواء لها كيفية، كيفية الاستواء هي المجهول التي...
مسألة>